لستُ مُناسباً..
ولم أكن يوماً على مقاسِ أحد
جرّبتُ كثيراً..
استخدام الألفاظ الأكثر سهولةً، لدرجةٍ، ماعدتُ أواري الكلام بالإيماءِ، فصارت كلّ الأفعال في نظري ، عباراتٍ مُختصرة، وسريعة ..
أُلقي التحيّة على الغرباءِ، بأقلّ مايمكن
وأغادرُ دونَ تعذّرٍ..
لا أذكر أنّ أحداً ما، حفظ اسمي من لقاءٍ واحدٍ..
كلّ الّذين سألوني، ما اسمك!!
اضطررت لإعادة لفظه على مسامعهم، أكثر من مرّة،كي يحفظوه.
في المشافي..
وعلى أبواب المطارات، وحتّى في المطاعم، حين أُسألُ عنه، أفكّر قليلاً قبل الإجابة، كي أثير الرّيبة-عن قصدٍ- في نفوس الآخرين، وآخذ وقتاً للفظِ اسمي، دون ارتباك ..
لطالما كان هذا ثاني سؤالٍ، بعد الصّمت الّذي أثيره ..
- هل نسيتَهُ!!
فأبتسمُ، بينما يخرج من فمي ، اسمٌ من أربعة حروفٍ، رأفت ..
وما إن يصير دوري للحصول على ما أريدُ..
ينادي الحاجب، أو الجنديّ، أو حُرّاس الأبواب عليّ: رِفعت، أو تعال يا رافع .
أعاني كثيراً، من الأمور الّتي لم أخترها بإرادتي، ابتداءً من اسمي، وصولا لما ورثته من أمراضٍ عن عائلتي ..
على ذراعي اليُسرى، توجدُ بقعة صغيرة، لونها أبيض، حدودها الخارجيّة، تصيرُ بلونٍ أخضر، في مواسم قطف العِنب..
حَملتني أمّي في بطنها، خلال الشتاء، ومن بين كلّ ما يمكن لها أن تشتهيه وتشتريه، توحّمت على طبخة "يبرق".
الولدُ الّذي عاد من المدرسة مُدمىً، يرعفُ من أنفه، كذب على أبيه، أنّه سقط عن السياجِ..
بينما خلفَ كلامه المرتجفِ، يتذكّر نفسه، كيف كان قبل قليل، مرميّاً على الأرض، يركلهُ الآخرون على وجهه ويديه ورأسه، بينما تناوله امرأةٌ من نساء الحي، منديلاً ليمسح دمه، بيده .
الشّابُّ، ذو العشرين عاماً، نجا من الكليّة الحربيّة، حين فشل في الإجابة عن سؤال العميد، ذي الصّوتِ المحشرج، حين سألَه :
كم يساوي "واحد ونص ضرب نص" ؟
كان يعرفُ الإجابة، لكنّ خياله الواسع، أجاب، لايساوي شيء.
فطَردوهُ من القاعة .
في فحص النّظَر، أجلسَته الطّبيبة على كرسيّ، يبعد أكثر من مترين، عن شاشة مليئة بالألوان، وحين أشارت إليه، ليعدّد مايراه من ألوان، صار وجهه أحمراً، والوحمة في يده، صارت يابسة.
الرّجلُ الّذي يتذكّرُ الآن، كلّ ذلك فجأةً ..
يُحاول استجماعَ ما تبقّى من خصوبةٍ في خياله
لتنمو في تربته..
وجوه النّساء اللّواتي عَرَفنَه، ثمّ تركْنَه ..
كالفِطر، بلحظةٍ واحدَةٍ..
ما إن تهدرَ في فراغه، أصواتُ الشّجارات القديمة..
أو تهبَّ رياحٌ ناشفة، في حقوله المقفرة ..
_____________________
رأفت حكمت