مجلة قصيدة النثر

اصوات شعرية

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

لطفي تياهي _ الرجال لا يبكون

الرّجال لا يبكون...
أنا ساكن الشّقة التي 
تُذرف من...
سطح العمارة 

صديقتي الفَائِتة في النموّ كالخبّيزة :

هكذا نحن أبناء الرّيف السّمر ، نشبه التّراب ، نشبه الظلّ في ريعان شموسه ، نشبه صهيد نار مواقد الخبز بين كفوف النّسوة و حقد الغيوم الكاذبة على زرعنا .
نحن الرّيفيون يا صديقتي ندفع الأرض من مؤخّرتها دفعا  كي لا تسقط على بيوت القشّ و الطّين و مُدنكم آخذة في الإتّساع أكثر فتنحني الأرض أكثر فندقّ أطفالنا خلف ظهرها و نسندها أكثر ، هناك أطفال نسيناهم هناك كأنّنا لم نلدهم أصلا . 

صديقتي الطريّة كضرع شاة العمدة : 

لا أعرف إن كان التّشبيه سيروق لك و لكنّني لم أعرف يوما أطرى من ضرع شاة العُمدة .
سألتني مرّة لماذا نلد الكثير من الأبناء علاوة على نِقمة الجغرافيا علينا ؟
سؤالكِ سيئ الطّرح سيّدتي القشدة ، لا أحد في ريفنا يعلم أنّ زوجته تلد أكثر من العدد المصرّح به ولا أحد يهمّه أمر النموّ الديمغرافي ، هم يزرعون في زوجاتهم مواسم ذكور و إناث على إمتداد القلق و تُربته ليس أكثر ، و لا يكترثون لمشكلة مستقبل أبنائهم فقد أوكلوا ذلك إلى مواسم الخصب و إن أتت صدفة و سياسة الدّولة الرّشيدة في توزيع الثّروة و حفر بئر في كلّ ضيعة ( في الحقيقة وزّعت عليهم شيئا آخر له علاقة بالحفر لكن ليس في الأرض ) المهم أنّهم مع هذا مازالوا يُسندون الأرض و مدنكم تتّسع أكثر . 

صديقتي الفائضة كياسمينة : 

ذلك الخوف الذي يُصيبك كلّما أخذتنِي معكِ إلى مكان ما و أنت تقرئين تعاويذك كي لا أفسد يومكِ أو كي لا أضرب أحدهم أو كي لا ينتهي يومكِ في مركز للشّرطة أعرفه جيّدا ، صدّقيني يا عزيزتي أنا لا أتعمّد ذلك أبدا ، للحكاية تأصيلها الجِينِي يا زهرة الجرجير .
زرعني أبي في رحم أمّي كما يزرع بذرة فاصولياء  في أرض بور دون أن يهطل عليها حنانا و طمأنينة ، فقد طال عهده بالفرح حتى تكيّف مع إمكانيّة الزّرع في كلّ الأحوال ، أبي لم يكن لديه متّسع من الوقت ليقول كلاما عسليّا لأمّي بل كان يصبّ جام غضبه من زيتونة لم تقاوم نعاجا جوعى أو تينة إنتحرت بالدّود أو محصول فَصّة ( الفصّة نبات طويل كالقصب مرعى للخراف ) مات نيئا ، يصبّ غضبه من كلّ هذا على أمي ، يُكسّر أواني الطّين و بيض دجاجاتها الستّ و يدهس كرامتها مقصوفة الرّقبة تحت حذائه كسيجارته ، ليعود آخر اللّيل من دكّان القرية يرفع ساقيها و يرميني فيها دفعة واحدة دون أن يعتذر عن أيّ شيء ، الرّجال في قريتنا لا يعتذرون..يرميني جزافا دون أن يُداعبها ، يخبّئ إصبع دِينَامِيتهِ في ثلاّجتها فتعضّ على شفتيها و تأكل وجعها نيئا خالص الألم ، لا يقبّلها ولا يطأ لسانه نهدها منذ صارت تلقى في فم الأولاد للرضاعة..لا يأخذها إلى مقهى ، لا يشتري لها وردة حمراء ولا عشاء فاخرا في مطعم..هل تعلمين يا بنت أبيك أنّ أمي لم تجلس يوما في مقهى ولم تشترِ ولو مرّة واحدة  قنّينة عطر ..لم تدفن رأسها في كدس للملابس المستعلمة .
لم أرَ أمّي يوما نشرت على حبل الغسيل " كيلوط " أو حمّالة صدر..هل تذكرين أوّل مرّة عندما قلت لي مدّ لي كيلوطي فناولتك شاحن هاتفك ؟
يرميني أبي من بعيد  في رحم أمي و ينتفض قائما كأنّه كان يسرق و عليه الهرب فورا ، ثم يدير لها ظهره و يبرك على إنتصاره العظيم..
أمّي .. ؟ 
تبيت ليلتها كالرّحى تدور على غيض جسيم تقضي ليلتها تحصد كلّ مواسم الوجع و تعجنه إلى الله و الوقت .
تسعة أشهر تطعمني من حبلها السُّرّي غيضا و حزنا أشيب ، أحيانا ترسل لي فيه تَمْرَةً أو فتات رغيف مطلي بجبنة بيضاء ، لهذا يا عزيزتي نولد ثوّارا بالفِطرة..نولد و نحن رافعين قبضاتنا أمام وجوهنا نحتمي من صفعات الحياة التي لم نتنبّأ يوما من أي إتّجاه قد تأتينا الصّفعة ..
لهذا و أكثر أنا سريع الغضب و الحب و الكره ، أعتقد أنّ الكلّ يكمن لي ، حتّي عندما تميلين نحوي لتقبيلي أعتقد أنّه فخ و تعتقدين أنّه خجل الرّيفيين ، تسعة أشهر وأنا في كبد غضبها و عقر دار صوتها المكتوم . 

صديقتي البرّاقة كنجمة الصّبح : 

هل عرفتِ الآن أنّني حقيقي جدا إلى الدّرجة التي قد أضرم النّار في كتف رجل لامس كتفكِ ولو صدفة في حافلة ؟
و أحصد كلّ الإسفنج على شفاه رجل قبّل يديك من باب الإيتيكات ، هل عرفت الآن لماذا أتقدّم عليك بخطوتين كلّما خرجنا ؟ 
هكذا نحن القرويون عزيزتي يا  موّال الفجر لا ندّخر للغد شيئا ، نفعل كلّ شيء دفعة واحدة أو لا نفعله . 

- صديقك الذي أفسد حفلة عيد ميلادكِ
و أسقط سِنّةً و نابًا لرجل قبّلك أمامي .
و لن أعتذر

لطفي تياهي / تونس

عن الكاتب

شاعر

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مجلة قصيدة النثر