حين يموتُ الشاعر
تتنحَّى الموسيقى جانباً
وتبكي بمرارة ولا تحضرُ جنازتَه
خشيةَ أنْ ينفجرَ قلبُها
ويعودُ المجازُ سريعاً من خدمةِ البيوت
ليتقدَّم الجنازة
وحين يموتُ الفنانُ التشكيلي
تقولُ الطبيعةُ إنَّ أكبرَ أبنائِها
ماتَ مبكِّراً
وتعيدُ توزيعَ الألوانِ على أبنائِها الباقين
وإن كانت تحتفظُ باللونِ الأبيض
لتغطَّي قبرَ الفنانِ التشكيليِّ حين يجنُّ الليل
ولهذا السببِ نرى قبورَ التشكيليين مضاءة
وحين يموتُ الروائي
يفقدُ الزمنُ حواسَّه كلَّها
ويرتطمُ باكياً بأوِّلِ جدارٍ يصادفُه
بينما تخرجُ شخصياتُ رواياته من الكتب
لتشاركَ في الجنازة
ولهذا يحذرُ الروائيُّ من التلاعبِ كثيراً
بمصائرِ شخصياتِه
خشيةَ أن تخطفَ نعشَه
وتدفنَه في رواية
وحين يموتُ الموسيقِىّ
يتقدمُ الصمتُ نائباً عن الجميع
ليطلبَ له المغفرةَ من الله
وأن يُبعثَ مصحوباً بنوتاتِه
وبالوترِ الدمويِّ لعاصفةِ البرق
تلك التي نراها أحياناً
بالتقاءِ الآلاتِ الوتريةِ بآلاتِ النفخِ النحاسيَّة
وحين يموتُ المُغنِّي
تتقدَّمُ أغانيه للمطالبةِ بحصِّةٍ أكبر في قلوبنا
ونفتحُ لها بيوتنا لتُقيمَ فيها
خشيةَ أن ننساها
بعدَ رحيلِ المُغنِّي إلى المقابر
ولا أحد كما نعرف
يصمدُ أمامَ الموت
وإنَّما نستقبلُه وقد برئنا من الذاكرة
لكنَّنا لا نبرأُ من الجمال
حتَّى وإنْ كنَّا نشيِّعُ صانعيه
إلى المقابر.
إبراهيم المصري