"قبلَ أَنْ يأتي الموجْ"
البحرُ مُشتهى العاشقين.
أَلقتْ برأسِها الثَّقيلِ على كتفي؛ قلتُ لها وأَنا أُزيحُ ما يَتطايرُ من خُصلاتِ شَعرِها الكستنائيِّ عن وجهي:
البحرُ وجهٌ آخرَ للحب.
تأَفَّفتْ، لا تتفلسف كعادتِكَ؛ شَدَّتْني في أُذني ثم صفعتني بخمسِ أَصابعٍ حريريّة.
كانتْ تنتظرُ منّي أَن أَقولَ لها ككلِّ الرِّجالِ و كما تُحبُّ معظمَ النِّساءِ:
ما أََجملَ عينيكِ البنّيتينِ.
ما أَروعَ قصَّةَ شعرِكِ الجَّديدة.
كانتْ تنتظرُ منّي أَن أُلاحظَ الوشمَ المرسومَ على مِعصمِها النَّحيل.
أَو أَن أُحدِّثها عن الأبراجِ الفلكيّة، أنَّ مولودةَ العقرب أَكثر وداعةً من الحمل، و أَكثر عِناداً وتقلُّباً في المزاجِ منَ الجَّوزاء.
كرَّرتُ: البحرُ وجهٌ آخرَ للحب
لايمكنُ أَن نَتنبَّأَ، متى تأتي العاصفة؟
البحرُ وجهٌ آخرَ للحب:
سِباحةٌ، كي ننجوا بأَنفسنا من الغرق.
لونُ البحرِ الأَزقِ الذي حدَّقْنا به طويلاً، وخبَّأنا فيه أَغلى أَحلامِنا وأَسماءَ أَطفالِنا و تفاصيلَ قهوتِنا وغرفةِ نومِنا، أَدركنا في نهاية المطاف أَنَّ البحرَ لا لونَ لهُ، و الأَزرقُ وهمُ انعكاسِ الضوءِ على سطحِ الماء.
هُنا على هذا الشاطئ : كُنَّا نشتري غروبَ الشَّمسِ، نجلسُ، نأكلُ غزلَ البناتِ، نمشي، نركضُ، وفي أَكثرِ اللحظاتِ جنوناً نستعيرُ ماءَ الموجِ، نتقاذفُ به حتى البلَلْ، فأَحمِلُها وهي تمسحُ بشفتيها ما طفى على وجهي من الزَّبد.
قالتْ: ما أَملحَ البحر
قلتُ: رُبَّما الحبُّ مالحٌ في آخرهِ
كطفلين وضعنا على الرَّمل قلبينا، وكتبْنا حروفَ أَسمائنا، وأَشعلْنا شمعةً عذراءَ تحرُسُنا منْ عتمِ الليل.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى داهمَنا الموجُ، أخذَ قلبينا، أَخذَ أَسماءنا و أَطفأَ شمعتَنا، ولم يبقَ منَّا إلا ذاكرة الرملِ و نسيان بنكهةِ الملحِ
هنا على الشاطئ سرقْنا من كيوبيد سنّارتَهُ، و اصطدْنا منَ الحبِّ أَشهاهُ و أَحلاهُ قبلَ أن يزورَنا الموج.
_____________________
قصي محمد