كيفَ أصفُ قطعةً من اليأس
أيمن معروف
كيفَ أصفُ قطعةً من اليأس في بيتِ شعرٍ قديم لأبي العلاء المعرّي أو كيف أرسم شكل الصّراخ في فم بطل رواية صغيرة لكاتب كَنَدي يقف على حافة العالم يعوي ويحاول أن يخدش الفراغ بعد أن أضناه العدم. وكيف يمكن أن أقول للألم صف لي مثلاً عضلةَ قلبِكَ تماماً كما في قصة الشارع الطويل لآنجي.
الكلمات شحيحة في الطريق وليس في وسعي أن أضيف عليها أكثر مما تقوله الحرب.
*
كان عليَّ أن أسافر قبل عشر سنوات إلى قرية نائية على أطراف الهند لألتقي روزاليفا الرسامة التي أدهشت العالم في الرسم بقدرتها الفائقة على التقاط الوجه السوريالي للواقع كما هو عليه. غير أنّ سورياليّة المكان الّذي أعيش فيه جعلتني أتريّث وأبدّل وجهة نظري في فهم معنى السوريالية على حدّي الصراع ما بين الفنّ والواقع.
*
أؤمنُ بحَمَّالةِ النّارِ وسلالاتِهم وأفتّشُ عنهم في المتونِ والهوامشِ والكتب بعد أنْ انتهكَ سُعارُ اللّامعنى كلَّ معنى في الإنسانِ الّذي صارتْ تتقاطعُ عليهِ السّيوفُ وتتدافعُ حوله فلاسفةُ اللّغْطِ،
*
منذ عرفت الكتابة وأنا دائم السّؤالِ لماذا يكتملُ اللّامعنى، دائماً، قبل أنْ يُفصحَ المعنى عنْ مجيئه. وكان على شفتَيّ كلّما قرأت عن أسماء قليلة أسافرُ معها وتسافرُ معي في المكانِ والزّمانِ الكثير من الحيرة وكنت بين الفينةِ والفينةِ أردّد باستمرارٍ اسمَ آرتو وهو يقترحُ في كلّ أيّامِهِ وأحلامِهِ ومسرحيّاتِهِ لونَ الأسئلةِ كما لو أنهُ، في النّهايةِ، لونُ النّارِ، فأناديه،:
- آرتو، يا صديقي في مسرحِ القسوةِ، أين أنت؟!.
*
في الخمسين تتخلّى الناس عن أشياء كثيرة كركوب الدرّاجات الهوائية مثلاً أو الانشغال بلعبة الغمّيضة في عالم الصغار أو افتعال معركة حامية في شارع أو زقاق من أجل نزوة عابرة أو التلصص مثلا من كوى بعيدة على شارع الحلوات. وأنا في الخمسين أتمسك بها بقوّة.
*
أمّا وقد وصلت إلى ما وصلت إليه فلا أستطيع أن أدّعي أيّهما خذلني أكثر،: اليأس أم الأمل.
•••
ايمن معرف